التاريخ : الثلاثاء 28-11-2023

وزير الخارجية الإسباني: على المجتمع الدولي العمل لتحقيق قيام الدولة الفلسطينية    |     صفدي: تنفيذ حل الدولتين يجب أن يبدأ الآن والخطوة الأولى إنهاء العدوان على الشعب الفلسطيني    |     "شؤون المغتربين" تدين الاعتداءات على رئيس جاليتنا في غواتيمالا وثلاثة فلسطينيين في أميركا    |     في خرق للهدنة: الاحتلال يطلق النار صوب منازل المواطنين في المغازي    |     رئيسة الاتحاد البرلماني الدولي تضع إكليل زهور على ضريح الرئيس الراحل ياسر عرفات    |     رئيس الوزراء: على العالم أن يتعامل مع غزة على أنها منطقة منكوبة    |     الاحتلال يعتقل 56 مواطنا من الضفة    |     "الخارجية": تخصيص سموتريتش ميزانيات لتعزيز الاستعمار استهتار بالمواقف الدولية الداعمة لحل الدولتين    |     أبو ردينة: تخصيص موازنات لتعزيز الاستعمار يأتي في إطار الحرب الشاملة على شعبنا وحجز أموالنا    |     الاحتلال يعتقل 29 مواطنا من الخليل    |     الاحتلال يفرج عن 39 من الأطفال المعتقلين    |     "الخارجية" تدين جريمة إطلاق النار التي تعرض لها ثلاثة من الطلبة الفلسطينيين في أميركا    |     اشتية يطالب بريطانيا بالدعوة لتثبيت وقف إطلاق النار ووقف العدوان على شعبنا    |     "مركزية فتح" تبحث العدوان الإسرائيلي المتواصل على شعبنا في غزة والضفة    |     السفير دبور يستقبل السفير المصري في لبنان    |     السفير دبور يستقبل سفير الجزائر في لبنان    |     الرئيس يستقبل وزير خارجية بريطانيا    |     فارس: إسرائيل ستطلق سراح 39 أسيرا وأسيرة وفق صفقة التبادل بعد الرابعة مساء    |     نازحون لم يجدوا منازلهم وآخرون وجدوها ركاما    |     الرئيس الكوبي يقود مسيرة في العاصمة هافانا تضامناً مع الشعب الفلسطيني    |     الاحتلال يقتحم المستشفى الإندونيسي ويقتل ويعتقل جرحى    |     "الخارجية": في ظل غياب المحاسبة الدولية أطفالنا يقتلون بالقصف أو برصاص الاحتلال ومستعمريه    |     "الهدنة الإنسانية" في قطاع غزة تدخل حيز التنفيذ وتستمر لأربعة أيام    |     غزة.. وقف مؤقت للإبادة ونازحون غاضبون لعدم عودتهم لمنازلهم
الصحافة الفلسطينية » ميسرة طليقاً سرمدياً
ميسرة طليقاً سرمدياً

 ميسرة طليقاً سرمدياً

بقلم عدلي صادق

جريدة الحياة الجديدة

3-4-2013

يمتَنُ الله تبارك وتعالى، على عباده، بأن جعل النور قرين الظلام، تالياً بعده، وسابقاً عليه. فلا سرمدية للظلم ولا للُظلمة. و"مَنْ إلهٌ غير الله يأتيكم بضياء" حسب الاستفهام التقريري القرآني، في سورة القصص!

اللهم لا رادّ لقضائك الذي يتقبله المؤمنون بأريحية. فقد صعدت روح الأسير ميسرة أبو حمدية، الى بارئها، وسكنت ذكراه وجدان أهله وشعبه، أبناءً وإخوة وأحفاداً وأحباباً، مثلما سكنت وجدان من لا يعرفونه ولا يعرفهم، ممن تحسس آلامهم وانحاز لقضاياهم وجعل مصيره ومساره، ملازميْن لخط مصلحتهم في الحق والحرية والكرامة، فقضى على هذا الطريق.

كان ذلك شأنه، وشأن أشباهه في الخُلق والإيمان والقناعات والتهيؤ النفسي للبذل، سواءٌ من قضى نحبه منهم أو من ينتظر. لكن الحديث عن وقائع الأيام الأخيرة، لا يصادم التقبل الإيماني للموت بنفوس راضية، وإنما يسلط الضوء من جديد، على جملة من الحقائق التي لازمت وتلازم وجود الاحتلال وتحدد طبيعته: الذعر الكامن في أعماق هؤلاء العنصريين، الذين نشأوا وترعرعوا بمنطق المعازل المسماة "غيتوات" فتوغلت فكرة القوقعة العفنة، في طبائعهم ونفوسهم، بمعايير المكان والفكر. باتوا ضيقي المدى والأفق والبصيرة، ويغلب عليهم همس جنونهم، في المشاعر والخواطر والمواقف!

فلماذا يخشى هؤلاء من أنفاس ميسرة أبو حمدية، حتى الشهقة الأخيرة، بينما هو رجل أرهقه السقام؟ الجواب: إن هذه هي طبائع الباغي المذعور، الذي يفقد ـ أول ما يفقد ـ رُشده. لذلك لم يُعن المهووسون، بإلقاء نظرةٍ، حتى على ميزان الربح والخسارة، في حال أطلقوا سراح ميسرة لكي يلفظ أنفاسه الأخيرة بين أهله. لو فعلوا ذلك، في لحظة خداع سياسي وشيك، لربما استطاعوا، على هذا المستوى التفصيلي، ذر بعض الرماد في بعض العيون، وأن يوحوا للمفرطين في التفاؤل، أن لدى هؤلاء العنصريين، استعدادا لتغيير منطق التعاطي، وتخفيف فجاجة الممارسة!

إن هؤلاء المحتلين، فيما يرسمون لأنفسهم من مسارات، يحرصون قبل كل شيء، على تطيير رسائل دورية لضحاياهم المستلبة أرضهم ومقدراتهم وحريتهم، مفادها أن لا أمل ولا احتمال، بأن يكون لهم أي موقف معتدل أو عقلاني أو حتى يتوافق مع مؤشر الربح والخسارة، في حال اللاتهديد الأمني أو اللاخسارة الإعلامية. إنهم لا يطيقون فكرة الأسبقيات الطيبة، حتى وهي تتصل بمسائل إنسانية، لا أبعاد أمنية لها!

* * *

فخورون نحن بقدرة الإنسان الفلسطيني، حبيساً كان أم طليقاً؛ على بث الذعر في نفوس هؤلاء، حتى وهو يعد الأنفاس القليلة المتبقية له، قبل أن يُسْلِمَ الروح. إن ذعرهم هذا، يجدد الثقة بالنفس، وينعش الوعي بالقوة، وسط واقع الإحساس بالعجز. وربما يكون من حُسن المصادفات، أن هؤلاء، بغلاظتهم وبغلبة الحماقة على سلوكهم في العداء؛ يسهمون في إبقاء كل مفردات الصراع قائمة، إن لم يكن في السياسة، ففي الوعي الجمعي، وفي مخزون الأحلام والخواطر والمشاعر. وهنا ـ بصراحة ـ تتراجع في جانبنا الشعبي، بسبب طغيان هذا الهوس، أطروحات التسوويين، وتتقدم فرضيات الغاضبين الناقمين، الذين يؤمنون بأن لا مناص من المواجهة؛ سواءٌ كانت فرضيات هؤلاء عشوائية، أو من نوع الأدبيات، أو كانت "جهاديات" مُحكمة التنظيم، تتبلور في أراض خصبة، من حولنا، ومن ثم تنتشر!

لطالما أضاع المحتلون الحاقدون، الفرصة تلو الأخرى، لذر بعض الرماد في بعض العيون، بدون تبعات. لكن ذعرهم أعماهم. فها هو ميسرة أبو حمدية، يربح حياة سرمدية لا موت بعدها، مثلما يربح مكانته، كشهيدٍ ظل العدو يتهيب من فك أصفاده، فيما هو يستنشق الجرعة الأخيرة من نسيم وطنه!

2013-04-03
اطبع ارسل